فصل: فَصْلٌ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى صِيَانَةِ بَضَائِعِ الْبَيَّاعِينَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم القربة في طلب الحسبة



.فَصْلٌ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الشَّمْعِ:

وَالشَّمْعُ أَيْضًا فَغِشُّهُ كَثِيرٌ فَمِنْهُ مَا يُغَشُّ بِالزَّيْتِ الْغَلِيظِ وَمِنْهُ مَا يُخْلَطُ وَقْتَ سَيْلِهِ بِدَقِيقِ الْبَاقِلَاءِ وَالْحِمَّصِ الْمَسْحُوقِ وَمَعْرِفَةُ إظْهَارِ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا وُضِعَ فِي مَاءٍ فَإِنْ طَفَا فَوْقَهُ فَهُوَ خَالِصٌ وَإِنْ رَسَبَ فَهُوَ مَغْشُوشٌ وَخَلَاصُ الْمَزْغُولِ بِالزَّيْتِ بِالْإِشْنَانِ وَالْمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُبَطِّنُهُ فَيَجْعَلُ تَحْتَهُ الشَّمْعَ الْأَسْوَدَ وَيُسَمَّى الزِّنْجَارَيَّ أَوْ وَسَخُ الشَّمْعِ وَيُجْعَلُ فَوْقَهُ الشَّمْعُ الْأَبْيَضُ النَّقِيُّ فَيَعْتَقِدُ الْمُشْتَرِي أَنَّ جَمِيعَهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَأَيْضًا يُكْثِرُ الْقُطْنَ إذَا كَانَ رَخِيصًا تَحْتَهُ وَيَبِيعُهُ بِسِعْرِ الشَّمْعِ، وَهَذَا كُلُّهُ غِشٌّ وَتَدْلِيسٌ فَيُرَاعِي الْمُحْتَسِبُ ذَلِكَ جَمِيعَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إهْمَالٍ.

.الْبَابُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْبَيَّاعِينَ:

يُعْتَبَرُ عَلَيْهِمْ الْمَوَازِينُ وَالْأَرْطَالُ وَصَنْجُ الدَّرَاهِمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي بَابِهِ، وَيُنْهَوْا عَنْ خَلْطِ الْبِضَاعَةِ الرَّدِيَّةِ بِالْجَيِّدَةِ إذَا اشْتَرَى كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى انْفِرَادِهَا بِسِعْرٍ وَعَنْ خَلْطِ الْخَلِّ الْعَتِيقِ بِالْجَدِيدِ، وَأَكْثَرُهُمْ يَغُشُّ الْخَلَّ بِالْمَاءِ فَيُمْتَحَنُ بِأَنْ تُؤْخَذَ كِبْرِيتَةٌ وَتُتْرَكَ فِيهِ سَاعَةً ثُمَّ تُشَالَ وَتُجْلَبَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ غِشٌّ ظَهَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْزُجُ عَسَلَ الْقَصَبِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الزَّيْتَ الطَّيِّبَ وَالشَّيْرَجَ وَقْتَ نِفَاقِهِ بِزَيْتِ الْقُرْطُمِ، وَمَعْرِفَةُ غِشِّهِ إذَا عُمِلَ فِي الْخُبْزِ الْحَارِّ فَإِنَّ شَوْخَةَ الْقُرْطُمِ تَظْهَرُ، وَكَذَا إذَا أَشْكَلَ يُعْمَلُ مِنْهُ فِي فَرْخَةِ قِنْدِيلٍ وَيُعْمَلُ فِيهِ فَتِيلَةٌ وَتُوقَدُ فَإِنْ طَلَعَ لَهُ دُخَانٌ فَهُوَ مَغْشُوشٌ، وَكَذَا إذَا أَشْكَلَ يُعْمَلُ فِي زُبْدِيَّةٍ وَيُعْصَرُ عَلَيْهِ لَيْمُونٌ أَخْضَرُ وَيَسِيغُ بالبانيذ يَظْهَرُ طَعْمُهُ وَكَذَا إذَا أَشْكَلَ يُعْمَلُ الزَّيْتُ فِي وِعَاءٍ وَيُمْخَضُ فَإِنْ أَرْغَى فَهُوَ مَغْشُوشٌ، وَيُعْتَبَرُ عَلَى قَلَّائِينَ الْجُبْنِ الْمَقْلِيِّ أَنْ يَصْلُقُوا الْجُبْنِ دَفْعَتَيْنِ فِي مَاءٍ حَارٍّ وَيُطَاهِرُ فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الْجُبْنَةُ مِنْ الطَّاجِنِ نَفْسُهَا وَلَا يُقْلَى إلَّا بِالشَّيْرَجِ الطَّرِيِّ وَكَذَا الْجُبْنُ الْمَشْوِيُّ لَا يُبَاعُ إلَّا مُؤَخَّرًا أَيْ نَاشِفٌ مِنْ الْمَاءِ وَيَأْخُذُ عَلَيْهِمْ إذَا شَوَوْهُ أَلَّا يُطَهِّرُوهُ إلَّا بِالْمَاءِ الْحَارِّ لِئَلَّا يَبْرَصَ وَإِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ مَا قَلَى بِهِ الْجُبْنَ يَعْتَبِرُهُ فِي الْخُبْزِ الْحَارِّ فَإِنْ ظَهَرَتْ لَهُ شَوْخَةُ فَهُوَ زَيْتُ الْقُرْطُمِ وَرَائِحَةُ الشيرخ وَطَعْمُهُ مَا يَخْفَى عَنْ فَطِنٍ، وَيُعْتَبَرُ عَلَيْهِمْ الْمُخَلَّلَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا فَكُلَّمَا كَانَ يَابِسًا لَمْ يَنْضَجْ أُعِيدَ إلَى الْخَلِّ وَكُلَّمَا تَغَيَّرَ عِنْدَهُمْ أَوْ فَسَدَ أَوْ دُوِّدَ أَمَرَهُمْ بِرَمْيِهِ إلَى الْمَزَابِلِ وَمَتَى خُمَّتْ عِنْدَهُمْ أَيْضًا الْكَوَامِخُ يَأْمُرُهُمْ بِإِرَاقَتِهَا خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ بَعْدَ خَمْضِهَا، وَكَذَلِكَ الْجُبْنُ الْمَكْسُودُ فِي الْخَوَابِي وَكَذَلِكَ الشُّحُومُ وَالْأَدْهَانُ إذَا تَغَيَّرَتْ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ وَكَذَلِكَ الْكَبَرُ إذَا دَوَّدَ فِي خَوَابِيهِ، وَيَلْزَمُهُمْ أَلَّا يَعْمَلُوهُ إلَّا بِاللَّبَنِ الْحَلِيبِ وَالْعَفِينِ مِنْ الْخُبْزِ الْعَلَامَةِ وَلَا يُعْمَلُ بِمِشِّ اللَّبَنِ وَضَرِيبَتُهُ لِكُلِّ عَشَرَةِ أَرْطَالِ لَبَنٍ حَلِيبٍ رِطْلَانِ وَنِصْفُ عَفِينٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ عَمَلِ الْمَرِيِّ الْمَطْبُوخِ عَلَى النَّارِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْجُذَامَ وَيُشْبِهُ الرُّبَّ خَرُّوبٍ.
وَيُعْتَبَرُ عَلَيْهِمْ مَا يَغُشُّونَ بِهِ عَسَلَ النَّحْلِ فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ يَغُشُّهُ بِالْمَاءِ وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنْ يَبْقَى فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ مُحَبَّبًا كَالسَّمِيذِ وَفِي زَمَنِ الصَّيْفِ مَائِعًا رَقِيقًا وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ يَأْخُذُ خِرْقَةً رَقِيقَةً وَيَجْعَلُ فِيهَا قَلِيلًا مِنْ الطَّفْلِ الْمَشْوِيِّ وَيُصِرُّهُ صَرَّةً وَيُدْلِي فِي الْوِعَاءِ بِخَيْطٍ فَإِنْ انْحَلَّ الطَّفْلُ ظَهَرَ غِشُّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّهُ بِالصَّمْغِ فَيَأْخُذُ الصَّمْغَ وَيَصْحَنُهُ ثُمَّ يَبُلُّهُ بِالْمَاءِ يَوْمًا كَامِلًا ثُمَّ يَضْرِبُهُ بِعَصًا إلَى أَنْ يَتَضَرَّبَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ ثُمَّ يُضِيفُ عَلَى كُلِّ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ مِنْ عَسَلِ النَّحْلِ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الصَّمْغِ وَيَضْرِبُهَا فِيهِ وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنْ يَظْهَرَ مُحَبَّبًا وَإِذَا وَضَعَهُ فِي فَمِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُخْفِي طَعْمَ الصَّمْغِ مِنْ غَيْرِهِ.

.فَصْلٌ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى صِيَانَةِ بَضَائِعِ الْبَيَّاعِينَ:

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَضَائِعُهُمْ مَصُونَةً بِالْبَرَانِيِّ والقطارميز لِئَلَّا يَصِلَ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الذُّبَابِ وَهَوَامِّ الْأَرْضِ أَوْ يَقَعَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ التُّرَابِ وَالْغُبَارِ وَبَوْلِ الْفَأْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَأْمُرُهُمْ بِأَنْ لَا يَسْتَعْمِلُوا لِمَسْحِ أَوْعِيَتِهِمْ إلَّا الْخِرَقَ الطَّاهِرَةَ النَّظِيفَةَ وَلَا يَمْسَحُوا بِالْخِرَقِ الْمَجْمُوعَةِ مِنْ الْمَزَابِلِ وَيَغْسِلُوهَا وَيَحْتَرِزُوا مِنْ الْخِرَقِ الْمَمْسُوحِ بِهَا الْعَذِرَةُ وَالْحَيْضُ فَيُؤَدِّي إلَى أَذَى النَّاسِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِأَنْ تَكُونَ الْمِذَبَّةُ فِي أَيْدِيهِمْ يَذُبُّوا بِهَا عَلَى الْبِضَاعَةِ طُولَ النَّهَارِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِنَظَافَةِ أَثْوَابِهِمْ وَغَسْلِ أَيْدِيهِمْ وَآنِيَتِهِمْ وَمَسْحِ مَوَازِينِهِمْ وَمَكَايِيلِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَيَتَعَاهَدُ الْحَوَانِيتَ الْمُنْفَرِدَةَ فِي الْمَوَاضِعِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْأَسْوَاقِ وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ وَبِضَائِعِهِمْ وَمَوَازِينِهِمْ فِي كُلِّ حِينٍ عَلَى غَفْلَتِهِمْ مِنْهُمْ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يُدَلِّسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.

.الْبَابُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى اللَّبَّانِينَ:

يَعْتَبِرُ الْمُحْتَسِبُ عَلَى اللَّبَّانِينَ بِتَغْطِيَةِ أَوَانِيهِمْ وَأَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ مُبَيَّضًا مُبَلَّطًا وَأَنْ يَكُونَ التَّغَاطِي جُدُدًا فَإِنَّ الزَّبِيبَ يُحِبُّ مَكَانَ اللَّبَنِ وَكَذَا الْمُحْلِبُ يَكُونُ فِي فَمِهِ لِيفَةٌ نَظِيفَةٌ حَتَّى يَمْنَعَ الْوَسَخَ وَيُلْزِمُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِغَسْلِ الْقَصَارِي وَالْمَوَاعِينِ بِمِسْوَاكِ اللِّيفِ الْجَدِيدِ وَالْمَاءِ النَّظِيفِ لِئَلَّا يُسَارِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ فِي زَمَنِ الْحَرِّ وَلَا يَعْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَوْقَ وَظِيفَتِهِ لِئَلَّا يَفْسُدَ وَيَحْمُضَ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا اللَّبَنُ الْحَلِيبُ الدَّسِمُ بِخَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ مَقْشُوطًا فَإِنَّهُ لَا طَعْمَ فِيهِ وَقَدْ رَاحَ دَسَمُهُ وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ الْمَشُوبُ بِالْمَاءِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَصْلًا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَعَلَامَةُ غِشِّهِ إذَا طُرِحَتْ فِيهِ حَشِيشَةُ الطُّحْلُبِ فَصَلَتْ بَيْنَ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَأَيْضًا يُعْرَفُ غِشُّ اللَّبَنِ الْحَلِيبِ بِأَنْ يَغْمِسَ فِيهِ شَعْرَةً ثُمَّ يُخْرِجَهَا فَإِنْ لَمْ يَعْلَقْ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ اللَّبَنِ يَكُونُ مَغْشُوشًا بِالْمَاءِ، وَإِنْ عَلَقَ اللَّبَنُ عَلَيْهَا كَانَ خَالِصًا وَكَذَا إذَا قُطِرَ مِنْهُ قَطْرَةٌ عَلَى خِرْقَةٍ تَشْرَبُ الْمِيَاهَ، وَإِنْ كَانَ خَالِصًا بَقِيَ مَكَانَهُ وَكَذَا إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ يَأْخُذُ الْمُحْتَسِبُ مِنْهُ قَلِيلًا وَيُرَقِّدُهُ بِقَلِيلٍ مِنْ الْإِنْفَحَةِ فِي قَصَارِي اللَّبَنِ عِنْدَهُ وَيَخْتِمُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ ظَهَرَ، وَإِلَّا فَلَا.

.الْبَابُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْبَزَّازِينَ:

يَنْبَغِي أَلَّا يَتَّجِرَ فِي الْبَزِّ إلَّا مَنْ عَرَفَ أَحْكَامَ الْبَيْعِ وَعُقُودَ الْمُعَامَلَاتِ وَمَا يَحِلُّ لَهُ فِيهَا وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَإِلَّا وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَارْتَكَبَ الْمَحْظُورَاتِ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَتَّجِرُ فِي سُوقِنَا إلَّا مَنْ تَفَقَّهَ فِي دِينِهِ وَإِلَّا أَكَلَ الرِّبَا شَاءَ أَوْ أَبَى وَقَدْ رَأَيْتُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَكْثَرَ بَاعَةِ الْبَزِّ يَفْعَلُونَ فِي بِيَاعَاتِهِمْ مَا لَا يَحِلُّ عَمَلُهُ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَمِنْ ذَلِكَ النَّجْشُ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ، وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيَغُرَّ غَيْرَهُ وَهَذَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ النَّجْشِ؛ وَلِأَنَّهُ خَدِيعَةٌ وَمَكْرٌ فَإِنْ اغْتَرَّ الرَّجُلُ بِمَنْ يَنْجُشُ فَابْتَاعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى الْبَيْعِ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَمَا فِي حَالِ النَّدَى.
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» وَلَا يَزِيدُ فِي السِّلْعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَسْوَى لِيَغُرَّ بِهَا النَّاسَ فَيَكُونَ حَرَامًا، وَمِنْ ذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَيَقُولَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ رُدَّهَا، وَأَنَا أَبِيعُك خَيْرًا مِنْهَا بِهَذَا الثَّمَنِ، أَوْ مِثْلَهَا بِدُونِ هَذَا الثَّمَنِ فَهَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا حَرَامٌ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ» أَخِيهِ وَلِأَنَّ فِي هَذَا إفْسَادًا وَإِنْجَاشًا فَلَمْ يَحِلَّ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ وَفَسَخَ الْبَيْعَ وَاشْتَرَى مِنْهُ صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي النَّجْشِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ فَيَقُولَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ: أَنَا أُعْطِيكَ أَجْوَدَ مِنْهَا بِهَذَا الثَّمَنِ أَوْ مِثْلَهَا بِدُونِ هَذَا الثَّمَنِ ثُمَّ يَعْرِضَ عَلَيْهِ السِّلْعَةَ فَيَرَاهَا الْمُشْتَرِي وَهَذَا حَرَامٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَسَادًا وَإِبْخَاسًا فَلَمْ يَحِلَّ، وَيَحْرُمُ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَهُوَ أَنْ يَقْدَمَ رَجُلٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يُرِيدُ بَيْعَهُ وَيَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي الْبَلَدِ، وَإِذَا بَاعَ اتَّسَعَ وَإِذَا لَمْ يَبِعْ ضَاقَ فَيَجِيءُ إلَيْهِ سِمْسَارٌ وَيَقُولُ لَهُ: لَا تَبِعْ حَتَّى أَبِيعَهُ لَكَ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَأَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا؛ لِمَا رَوَى طَاوُسٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ قُلْتُ: لِمَ لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟» قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ فِي غَفَلَاتِهِمْ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ»، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلتَّاجِرِ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي ثَوْبَكَ أَوْ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَبِعِشْرِينَ نَسِيئَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُ السِّلْعَةَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ عَلَى شَرْطِ مُسْتَقْبَلٍ مَجْهُولٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ أَوْ إلَى دِرَاسِ الْغَلَّةِ أَوْ عَلَى عَطَاءِ السُّلْطَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً مِنْ تَاجِرٍ مَثَلًا ثُمَّ يَبِيعُهَا لِرَجُلٍ آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَجَمِيعُ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي مَعِي بِاَلَّذِي مَعَكَ فَإِذَا لَمَسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ الْآخَرِ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي مَعِي بِاَلَّذِي مَعَكَ فَإِذَا نَبَذْتُهُ إلَيْكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَصَاةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ مَا تَقَعُ هَذِهِ الْحَصَاةُ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْحَصَاةِ وَأَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ.

.فَصْلٌ فِي وُجُوبِ إِظْهَارِ التَّاجِرِ جَمِيعَ عُيُوبِ السِّلْعَةِ وَصِدْقَ الْقَوْلِ:

وَيَنْبَغِي لِلتَّاجِرِ أَنْ يُظْهِرَ جَمِيعَ عُيُوبِ السِّلْعَةِ خَفِيَّهَا وَجَلِيَّهَا وَلَا يَكْتُمَ مِنْهَا شَيْئًا فَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِنْ أَخْفَاهُ كَانَ ظَالِمًا غَاشًّا، وَالْغِشُّ حَرَامٌ وَكَانَ تَارِكًا لِلنُّصْحِ فِي مُعَامَلَتِهِ، وَالنُّصْحُ وَاجِبٌ وَمَهْمَا أَظْهَرَ أَحْسَنَ وَجْهَيْ الثَّوْبِ وَأَخْفَى الثَّانِيَ كَانَ غَاشًّا وَكَذَلِكَ إذَا أَعْرَضَ الثِّيَابَ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُظْلِمَةِ وَأَمْثَالِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْغِشِّ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَعْجَبَهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَرَأَى بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا» فَقَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ فَقَالَ: «هَلَّا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ النُّصْحِ بِإِظْهَارِ الْعُيُوبِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَايَعَ جَرِيرًا عَلَى الْإِسْلَامِ وَذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ فَجَذَبَ بِثَوْبِهِ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ النُّصْحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَكَانَ جَرِيرٌ إذَا قَامَ إلَى السِّلْعَةِ يَبِيعُهَا نَصَّ عُيُوبَهَا ثُمَّ خَيَّرَ. وَقَالَ: إنْ شِئْتَ فَخُذْ، وَإِنْ شِئْتَ فَاتْرُكْ فَقِيلَ: إنَّكَ إنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ يُنْفِذْ لَكَ بَيْعًا قَالَ: إنَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
فَصْلٌ:
وَيُعْتَبَرُ عَلَيْهِمْ صِدْقُ الْقَوْلِ فِي إخْبَارِ الشِّرَى وَمِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَفْعَلُونَ مَا لَا يَجُوزُ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَشْتَرِي سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يُخْبِرُ رَأْسَ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ نَقْدًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَرَجَعَ بِالْأَرْشِ عَلَى بَائِعِهَا ثُمَّ يُخْبِرُ رَأْسَ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَهَذَا حَرَامٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَاطِئُ جَارَهُ أَوْ غُلَامَهُ فَيَبِيعُهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ مَثَلًا ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ لِيُخْبِرَ بِهِ فِي الْبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذَا حَرَامٌ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، فَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ قَصَّرَهُ بِدِرْهَمَيْنِ وَرَفَاهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ وَلَا يَقُولُ: ثَمَنُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا بَلْ يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، وَعَمِلَ فِيهِ عَمَلًا يُسَاوِي ثَلَاثَةً فَلَا يَقُولُ: قَامَ عَلَيَّ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ فَإِنَّ عَمَلَ الْإِنْسَانِ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ وَلَا يَقُولُ رَأْسُ مَالِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا بَلْ يَقُولُ اشْتَرَيْتُهُ بِعَشَرَةٍ وَعَمِلْتُ فِيهِ عَمَلًا يُسَاوِي ثَلَاثَةً، فَعَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْتَبِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ فِعْلِهِ وَيَتَفَقَّدَ مَوَازِينَهُمْ وَأَذْرِعَتِهِمْ وَيَمْنَعَهُمْ مِنْ شَرِكَةِ الْمُنَادِيَةِ وَيُرَاعِيَ حُسْنَ مُعَامَلَاتِهِمْ مَعَ الْمُشْتَرِينَ وَجَلَّابِي الْبَضَائِعِ وَصِدْقِ الْقَوْلِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ.

.الْبَابُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الدَّلَّالِينَ:

يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ أَحَدٌ مِنْ الدَّلَّالِينَ حَتَّى يُثْبِتَ فِي مَجْلِسِ الْمُحْتَسِبِ مِمَّنْ يُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مِنْ الثِّقَاتِ الْعُدُولِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَنَّهُ خَيْرُ ثِقَةٍ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ فِي النِّدَاءِ فَإِنَّهُمْ يَتَسَلَّمُونَ بَضَائِعَ النَّاسِ وَيُقَلِّدُونَهُمْ الْأَمَانَةَ فِي بَيْعِهَا، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مِنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِيهَا التَّاجِرُ، وَلَا يَكُونَ شَرِيكًا لِلْبَزَّازِ وَلَا يَقْبِضَ ثَمَنَ السِّلْعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ صَاحِبُهَا فِي الْقَبْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمِدُ إلَى صُنَّاعِ الْبَزِّ وَالْحَاكَةِ وَالتُّجَّارِ وَيُعْطِيهِمْ دَرَاهِمَ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَبِيعَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِمْ إلَّا هُوَ، وَهَذَا حَرَامٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ لِنَفْسِهِ وَيُوهِمُ صَاحِبَهَا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَيُوَاطِئُ غَيْرَهُ عَلَى شِرَائِهَا مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ السِّلْعَةُ لَهُ فَيُنَادِي عَلَيْهَا، وَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا مِنْ قِبَلِهِ وَيُوهِمُ النَّاسَ أَنَّ هَذَا الثَّمَنَ دَفَعَهُ لَهُ فِيهَا بَعْضُ التُّجَّارِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ وَهَذَا غِشٌّ وَتَدْلِيسٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَزَّازِ شَرْطٌ وَمُوَاطَأَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ دَلَالَتِهِ فَإِذَا قَدِمَ عَلَى الْبَزَّازِ تَاجِرٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَقُولُ هَاهُنَا سِمْسَارٌ وَهُوَ رَجُلٌ نَاصِحٌ فِي السِّلْعَةِ فَيَسْتَدْعِي ذَلِكَ الْمُنَادِيَ بِعَيْنِهِ وَيُسَلِّمُ لَهُ الْمَتَاعَ فَإِذَا فَرَغَ الْبَيْعُ، وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ أَعْطَى الْبَزَّازَ مَا كَانَ شَرَطَهُ لَهُ وَوَاطَأَهُ عَلَيْهِ وَهَذَا حَرَامٌ عَلَى الْبَزَّازِ فِعْلُهُ وَمَتَى عَلِمَ الْمُنَادِي فِي السِّلْعَةِ عَيْبًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَيُوقِفَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْتَبِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ وَيَأْخُذَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَتَسَلَّمَ جَعَالَتَهُ إلَّا مِنْ يَدِ الْبَائِعِ وَلَا يُسْقِطَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا، فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ يُوَاطِئُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى جَعَالَتِهِ فَوْقَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ.

.الْبَابُ الثَّلَاثُونَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْحَاكَةِ:

يَأْمُرُهُمْ بِجَوْدَةِ عَمَلِ الشُّقَّةِ وَصَفَاقَتِهَا وَنِهَايَةِ طُولِهَا الْمُتَعَارَفِ بِهِ وَعَرْضِهَا وَجَوْدَةِ صِنَاعَتِهَا وَتَنْقِيَةِ غَزْلِهَا مِنْ الْقِشْرَةِ السَّوْدَاءِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ الْخَشِنِ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ نَثْرِ الدَّقِيقِ وَالْجِصِّ الْمَشْوِيِّ عَلَيْهَا فِي وَقْتِ نَسْجِهَا فَإِنَّهُ يَسْتُرُ وَحَاشَهَا فَتُبَانُ كَأَنَّهَا صَفِيقَةٌ رَفِيعَةٌ، وَهَذَا تَدْلِيسٌ عَلَى النَّاسِ وَيَأْمُرُهُمْ إذَا نَسَجُوا ثَوْبًا جَدِيدًا أَلَّا يَصْبُغُوا الْغَزْلَ إلَّا بَعْدَ بَيَاضِهِ، وَلَا يَصْبُغَهُ مِنْ الْغَزْلِ الْأَسْوَدِ فَيَتَهَرَّى وَلَا يَمْسِكُ شَيْئًا وَيَضُرُّ بِالْمُشْتَرِي وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسِجُ وَجْهَ الشُّقَّةِ مِنْ الْغَزْلِ الطَّيِّبِ الْمُصْطَحِبِ ثُمَّ يَنْسِجُ بَاقِيَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا غِشٌّ فَيُعْتَبَرُ عَلَيْهِمْ جَمِيعُ ذَلِكَ.
فَصْلٌ:
وَإِذَا أَخَذَ أَحَدٌ مِنْهُمْ غَزْلًا لِإِنْسَانٍ لِيَنْسِجَهُ لَهُ ثَوْبًا فَلْيَأْخُذْهُ بِالْوَزْنِ فَإِذَا نَسَجَهُ دَفَعَهُ إلَى صَاحِبِهِ بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَى التُّهْمَةَ فَإِذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْغَزْلِ أَنَّ الْحَائِكَ أَبْدَلَ غَزْلَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ عَيْنِ غَزْلِهِ وَصَدَّقَهُ الْحَائِكُ حَمَلَهُمْ إلَى أَرْبَابِ الْخِبْرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ وَلَا بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْحَائِكُ أَنَّهُ مَا غَيَّرَهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَنْسِجَ لَهُ مِنْ غَزْلٍ عَيَّنَهُ لَهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ طُولًا فِي عَرْضِ كَذَا فَنَسَجَهُ أَحَدَ عَشَرَ، قَالَتْ الْعُلَمَاءُ: لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ مُخَالَفَةٌ فِي جَمِيعِ الثَّوْبِ وَلِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْخِلَ الذِّرَاعَ فِي الْعَشَرَةِ، وَكَذَا لَوْ نَسَجَهُ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ، كَذَا أَفْتَى الْإِمَامُ الْعَبَّادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَمُدُّوا مَرَادِيَهُمْ فِي طُرُقَاتِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ.